قال تعالى: ]ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى[ (النجم: 31).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله r يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" (متفق عليه).
إن الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مواقيت لأعمال العباد، ومقادير لآجالهم فيهي تنقضي جميعاً وتمضي سريعاً فالسعيد من اغتنم الأيام والليالي، والساعات وتقرب إلى الله فيها بصالح الأعمال فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادةً يأمن فيها وحشة القبور ولهيب النار وما فيها من البلايا، ولله سبحانه وتعالى لم يجعل لعمل المؤمن منتهى ينهي بانتهائه إلا الموت، قال تعالى: ]واعبد ربك حتى يأتيك اليقين[ (الحجر: 99)، وأمرهم بمواصلة العمل ما داموا في دار التكليف، قال تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ (الذريات: 56).
وكل عمل يخليه صاحبه من طاعة الله والإنفاق في مرضاته فقد خسره، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله والدار الآخرة تكون عليه حسرة وندامة يوم القيامة، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله وشرهم من طال عمره وساء عمله
وشهر شعبان كالمقدمة لشهر رمضان شرع فيه ما يشرع في شهر رمضان على جهة الاستحباب من الصيام، وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي شهر رمضان المبارك وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن فيكون ذلك كالتمرين على صيام رمضان، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي r يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله" (متفق عليه).
وفي رواية: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً" (متفق عليه). أي كان رسول الله r يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور، سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه.
والمراد بقول عائشة رضي الله عنها (يصوم شعبان كله) أي غالبه، تأكيد لإفادة الشمول، أي كان r يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة من بينهما.
ووردت أحاديث أخرى تدل على استحباب كثرة صيام التطوع في شعبان وصح عن النبي r أنه قال: "من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" (متفق عليه)، (سبعين خريفاً، يعني: سبعين سنة).
وقال رسول الله r: "من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض" (أخرجه الترمذي).
و إن الصيام بما أنه طاعة للرحمن وعلامة على صحة الإيمان فإنه كذلك من أسباب الصحة للأبدان..كما قال عليه الصلاة والسلام: "صوموا تصحوا" (أخرجه ابن السني، وأبو نعيم).
ومن المشاهد والمحسوس أن الذي يتطوعون بالصيام من أنعم الناس بالاً وأصحهم أجساداً وأقدرهم على معاناة الأشغال لأن الله يمنحهم على الطاعة قوة ونشاط، وأن للطاعة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في الجسم ومحبة في قلوب الخلق، قال تعالى: ]وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى[
(هود: 3).
فاتقوا الله يا أيها المؤمنون وابذلوا الجهد في طاعته واستقبلوا هذا الشهر الكريم بتوبة تغسل درن الذنوب، وأريقوا الدموع على ما فرطتم في أعماركم، وأكثروا من ذكر هادم اللذات، واستعدوا للقاء ربكم. وندعو في الأخير بدعاء:
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، ووفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.