بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.
حديث ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا... ).
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال .
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه " رواه أبو داود، في كتاب: الأدب، باب:في حسن الخلق، رقم الحديث: (4800).الحديث حسنه الالبانى فى صحيح الجامع والسلسله الصحيحة .
هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتمل هذا الحديث – على إيجازه واختصاره - على أصول الأدب ، وجوامع حسن الخلق، وكيفية التعامل مع الناس ، وقرن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء والأجر لمن عمل بما جاء فيه، حيث تكفّل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بثلاثة بيوت في الجنة:
البيت الأول : في ربض الجنة، أي: أسفل الجنة، لمن ترك المراء وإن كان على حق.
البيت الثاني: في وسط الجنة، لمن ترك الكذب في كل موضع لا يجوز فيه، وإن كان مازحاً. وهذا الأمر مما يخالف فيه كثيرٌ من الناس حيث يسمحون لأنفسهم بالكذب، ويعللون ذلك بأنهم مازحون.
البيت الثالث: في أعلى الجنة، لمن حسَّن خُلُقَه، أي سعى في تحسين أخلاقه، وابتعد عن كل ما يدنسها ويفسدها ، وترك جميع ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها. .
ومكان الشاهد في هذا الحديث ما يتعلق بالمراء ، فقد رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تركه ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى، ومنها:
ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:.
"لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح ، ويترك المراء وإن كان صادقا".
وما رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :.
"لا تمار أخاك ".
وفي هذه الأحاديث ونحوها يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور التي لا تناسب المسلم ولا يصلح أن تكون من أخلاقه، ومن تلك الأخلاق غير المرضية:
المراء، والمقصود به في اللغة: استخراج غضب المجادل.
من قولهم: مريت الشاة، إذا استخرجت لبنها، وحقيقة المراء المنهي عنه: طعن الإنسان في كلام غيره؛ لإظهار خلله واضطرابه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيته عليه. وإن كان المماري على حق ، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.
أما الجدال فهو من الجدل ، والجدل في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وحقيقة الجدل في
الاصطلاح الشرعي:
فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق، قال ابن الجوزي في كتابه الإيضاح:
اعلم - وفقنا الله وإياك – أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر، ولا يتمشى بدونها كلام مناظر ؛ لأن به تتبين صحة الدليل من فساده ، تحريراً وتقريراً، ولو ترك هذا العلم لأدى إلى الخبط وعدم الضبط.
وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً ، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها،
ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به:
(حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر ، وإن زل خصمه فليوقفه على زلـله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه ، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) .
وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:.
" وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل: 125.وقوله:.
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"العنكبوت: 46 .وقوله :."قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"البقرة: 111.
وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس – رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية، ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، فإنه جادل الخوارج أيضاً.
وأما الجدال الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك فهو منهي عنه، وعليه تحمل الأدلة التي تنهى عن الجدال، كقوله -صلى الله عليه وسلم – الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة:.
ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل . ثم تلا قوله تعالى
.ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون . خرجه الترمذي، وابن ماجة من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-.
وهذا النوع من الجدال هو الجدال بالباطل فيكون كالمراء، وكلاهما محرم وبهذا يتضح الفرق بين
المراء والجدال، وأن المراء منهي عنه ومذموم على كل حال؛ لأنه لا يقصد منه تبيين الحق، وإنما يقصد به الانتصار على الآخرين وتحقيرهم وإذلالهم.
أما الجدال فله حالتان:
الأولى: الجدال المحمود، وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية ، وفعله العلماء قديماً وحديثاً.
الثانية: الجدال المذموم ، وهو الذي يقصد به الغلبة والانتصار للنفس ونحو ذلك وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويكون الجدال هنا كالمراء ، وكلاهما محرم.
ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يُعرض عليه من الأدلة والحجج.
فالذي يجادل من أجل بيان الحق يقبل الأدلة الصحيحة ويعمل بمقتضاها إلا إذا كان عنده ما يعارضها مما هو أقوى منها.
ولذلك فإنك تجد كثيراً ممن يجادلون بالحق يرجعون عن أقوالهم إذا تبين لهم خطؤها ويأخذون بقول الآخرين ؛ لأن هدفهم الوصول إلى الحق لا الانتصار للنفس.
أما الذي يماري فتجده يصر على رأيه من غير دليل ، ولا يقبل من الأدلة إلا ما يوافق رأيه، ولذا فإنه يتكلف في رد الأدلة وتأويلها وصرفها عن دلالاتها ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يريد الحق ، وإنما يقصد الانتصار لنفسه وتحقير غيره.
أما عن الكذب فالمؤمن الصادق لا يكذب، ولكن قد يكذب لنقص إيـمانه وضعف إيـمانه، فالواجب على كل مؤمن أن يحذر الكذب، ينبغي أن يتحرى الصدق
.
يقول الله جل وعلا:.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.ورة التوبة، الآية 119. ، ويقول سبحانه:
{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}سورة المائدة، الآية 119.
ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور )الحج:30.
فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجا لحياته.
واحذروا من الكذب,احذروا من الكذب في عبادة الله لا تعبدوا الله رياء وسمعة وخداعا ونفاقا،
واحذروا من الكذب في اتباع رسول الله، لا تبتدعوا في شريعته ولا تخالفوه في هديه، واحذروا من
الكذب مع الناس، لا تخبروهم بخلاف الواقع ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة، إن المؤمن لا يمكن أن
يكذب لأن الكذب من خصال المنافقين: (الله يشهد إن المنافقين لكاذبون )المنافقون:1. (في قلوبهم
مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )البقرة:10. (إنما يفتري الكذب الذين لا
يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.)النحل :105.
إن المؤمن لا يمكن أن يكذب لأنه يؤمن بآيات الله يؤمن برسوله يؤمن بقول النبي صلى الله عليه
وسلم:.( إن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة, وإن الرجل ليصدق حتى يُكتبَ عند الله صديقاً, وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار, وإن الرجل ليكذب حتى يُكتَب عند الله كذاباً) عن ابن مسعود. ما أقبح غاية الكذب .الكذب يفضي إلى الفجور وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي .
حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ..( كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع).عن أبي هريرة..
حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ..( آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كَذَب , وإذا وعَد أخلف ,وإذا اؤتُمن خان) عن أبي هريرة. وزاد مسلم:.
( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) .
والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرما وأشد عقوبة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الكبائر وفيها اليمين الغموس قيل ما اليمين الغموس قال:..التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب) رواه مسلم.
الكذب لِيُضحِك القوم: .إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم فيألف ذلك لما يرى من ضحك الناس ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث:.(ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له) أخرجه الثلاثة وإسناده قوي. .
فالواجب تحري الصدق والحذر من الكذب أينما كان إلا في الأوجه التي يجوز فيها الكذب، تقول أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها:.(لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها).
ما يُباح من الكذب حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
.( ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس فَيُنمي خيراً أو يقول خيراً) عن كلثوم بنت عقبة. وزاد مسلم:.
( ولم أسمعه يرَخِّصُ في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها).
ولحسن الخلق مكانة رفيعة في الإسلام وتتبين مكانة حسن الخلق في الإسلام بما يلي:
- أن الله أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق "و إنك لعلى خلق عظيم".
- أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :.( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) و في لفظ ( صالح الأخلاق) فكأنه صلى الله عليه وسلم حصر البعثة في إتمام مكارم الأخلاق .
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه بأن يهديه لأحسن الأخلاق ويصرف عنه سيئها
ويستعيذ بالله من منكرات الأخلاق فقد صح عنه في الحديث الذي رواه مسلم أنه قال ( اللهم اهدني لأحسن الخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت).
وعن الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من منكرات الخلاق والأعمال والأهواء) .
وكان وصلى الله عليه وسلم يقول كما عند أحمد ( اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي) .
أن من حسن خلقه أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( إن أحبكم إلى و أقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقاً) .
متفق عليه.
أن من حسن خلقة يبلغ درجة الصائم القائم ففي الحديث الذي رواه أحمد ( أن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار)
.
أن الناس لم يعطوا شيئاً خيراً من خلق حسن ففي الحديث الذي رواه أحمد ( خير ما أعطي الناس خلق حسن) .
و حينما سئلت زوجه عائشة عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت ( كان خلقه القرآن ) .
فلقد صار امتثال القرآن أمراً ونهياً خلقاً له ، فما أمره به ربه فعله وما نهاه عنه تركه وما ذكر سبحانه له من خلق حسن إلا واتصف به وما ذكر له من خلق سيئ إلا ابتعد عنه
.
و هذا أبو الدرداء يقول ( إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة ويسئ خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار) .
الإنسان يمكن أن يكون مجبولاً على خلق حسن ويمكن أيضاً أن يكتسب هذا الخلق الحسن وطبيعة حديث أشج عبد القيس حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن فيك لخلقين يحبها الله الحلم و الأناة) قال : يا رسول الله أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما قال ...
( بل جبلك الله عليهما) فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله) .
و يمكن للإنسان ان يكتسب الأخلاق الحسنة وذلك عن طريق المجاهدة ... جاهد نفسه على التخلق بالأخلاق الحسنة مع المداومة على هذه المجاهدة قال صلى الله عليه وسلم ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم).
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق….اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق و الأعمال والأهواء واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.اللهم حسنت خلقنا فحسن خلقنا.وأسأل الله أن يجمعنا وإياكن مع الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة.
أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يكون ما كتبته خالصًا لوجهه الكريم .استغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين أمين . يارب يارب يارب يارب . لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما ..