فتح النوبة ومعاهدة البقط
بدأت علاقة المسلمين بهذه المنطقة -بلاد النوبة الواقعة جنوب مصر- بعد فتح مصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ إذ أرسل حملة لبلاد النوبة، وتمخض عن هذه الحملة عقدُ صلح بينهم وبين المسلمين.
وظل الوضع على ذلك حتى تولى ولايةَ مصر عبدُالله بن سعد بن أبي سرح؛ فنقض النوبيون الصلح، وهاجموا صعيد مصر، وأفسدوا فيه؛ فخرج عبد الله بن أبي سرح بجيش تَعدادُه عشرون ألفًا، وتوغل في بلادهم جنوبًا، ووصل عاصمتهم دنقلة، فحاصرها وضيق على أهلها حتى اضطُروا للتسليم.
وعُقد بين الجانبين معاهدةٌ فريدة من نوعها؛ كان لها عظيمُ الأثر على انتشار الإسلام في شرق القارة الإفريقية، وكان ذلك في شهر رمضان من سنة إحدى وثلاثين هجرية.
فتح الأندلس
بدأ التفكير في فتح الأندلس بعد أن أتم المسلمون فتح بلاد المغرب على يد القائد المسلم موسى بن نصير، واتجهت أنظارهم إلى الشمال حيث شبهُ جزيرة أيبريا التي تمثل المدخلَ الجنوبي لأوربا، فاستشار والي أفريقية موسى بنُ نصير الخليفةَ الأموي الوليد بن عبد الملك؛ فأمره بإرسال سرية صغيرة إلى بلاد الأندلس؛ لاختبار الأوضاع قبل إرسال الجيش.
واستجاب موسى لأمر الخليفة، وأرسل طَرِيف بنَ ملوك، فعبر إلى الأندلس في أربعةِ مراكبَ بقوة عددُها مائة فارس وأربعمائة راجل، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين هجرية، وغنموا فيها مغانم كثيرة وسبيًا كبيرًا، وبعثوا بالأخبار إلى موسى في القيروان؛ فأخذ يستعد لإرسال حملة كبيرة، تقوم بالفتح الحقيقي لتلك البلاد.
وندب موسى لهذا العمل طارقَ بن زياد، فعهِد إليه بهذه المهمة، وبدأ العبور في رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة، وعلم ملك القوط (لذريق) بخبر المسلمين، فأرسل فرقة لمهاجمة المسلمين، إلا أن المسلمين قضوا على هذه الفرقة؛ عندئذ سار (لذريق) بجيشه لملاقاة المسلمين.
أما المسلمون فقد سار بهم طارق بن زياد بحذاء الساحل حتى وصل نهر البرباط؛ وعندما علم بحجم جيش لذريق الذي يصل إلى مائة ألف أو يزيد؛ أرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه المدد، فعجَّل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة جنده، وفي يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة اثنتين وتسعين للهجرة اشتبك الجيشان في معركة حَمِي وَطيسُها، واستمرت المعركة ثمانية أيام.
وفي النهاية وقعت الفوضى في جيش لذريق، واضطرب نظامه، ولاذ من بقي منه بالفرار، وهكذا انتصر المسلمون بإيمانهم وعقيدتهم على عدو يفوقهم عددًا وعدة، وأصبحت كلُّ بلاد الأندلس تنظر حكمَ المسلمين.
وفي العام الذي يليه، في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين هجرية، عبر موسي بن نصير بجيشه إلى الأندلس، وبدأ في فتح المدن والقلاع، ففتح شَذُونة، ثم قَرْمُونة، واستمر بفتح المدن الأندلسية حتى التقى طارق بن زياد قرب طُليطُلة.
وهكذا فتح المسلمون بلادَ الأندلس، وقهروا القوط، ثم عاد موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى الشام بأمر من الخليفة سليمان بن عبد الملك.
رحم الله موسى بن نصير، ورحم الله طارق بن زياد، فقد نشرا دين الله في منطقة كبيرة من أوربا، وقاما بفتوح ليس لها مثيل في ذلك التاريخ.
فتوح المسلمين في فرنسا
بعد أن استقر المسلمون في الأندلس، بدأت غزواتُهم تتجهُ نحوَ الشمال فيما وراء جبال البرانس الفاصلة بين الأندلس وفرنسا، وبدأ ذلك في عهد عبد العزيز بن موسى بن نصير، وتوالى الولاةُ على الأندلس، حتى تولى السَّمحُ بن مالك الخولاني، فاتجه نحو جنوب فرنسا، وفي عام اثنين ومائة فتح إقليم (سبتمانيا)، وانطلق يفتح كل المدن التي في طريقه حتى وصل إلى (طُولوشة).
خلف السمحَ على ولاية الأندلس عنبسةُ بن سُحيم الكلبي، وواصل الغزو في فرنسا الجنوبية حتى وصل إلى (قرقشونة) فحاصرها، حتى نزل أهلُها على شروطه، واستمر عنبسة رحمه الله في سيره وفتوحاته حتى وصل إلى مدينة (سانس) عاصمة إقليم يوند على بعد ثلاثين كيلومترًا جنوبي باريس، وقد تصدت هذه المدينةُ للزحف الإسلامي فكانت آخرَ ما وصل إليه المسلمون.
والحقيقة أن أحوال الأندلس في ذلك الوقت قد أثَّرت كثيرًا في هذه الفتوح؛ ولولاها لما توقف عنبسة عن فتوحه، وفي طريق العودة داهمت جيشَ المسلمين جموعٌ كبيرة من الفرنجة، وجُرح عنبسة وتوفي على إثرها في شهر شعبان سنة سبع ومائة هجرية، بعد أن نشر الرعبَ في نواحي فرنسا، ووصل برايات الإسلام إلى قلب أوربا الغربية.
معركة بلاط الشهداء
حدثت هذه المعركة في شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائة في مكان أطلق عليه المسلمون (بلاط الشهداء) جنوبي فرنسا، وقد استطاع المسلمون فتحَ مناطق واسعة من فرنسا، وأخذ ولاةُ الأندلس يتعاقبون الفتوحَ حتى تولى عبدُ الرحمن الغافقي سنة اثنتي عشرة ومائة من الهجرة.
انطلق عبد الرحمن للجهاد عبر جبال البرانس متجهًا إلى وسط أوربا، حتى وصل إلى مدينة (تور) فاستولى عليها، مما دفع الدوق (أودو) للاستنجاد بشارل مارتل، واتحد معه، وبذلك اتحدت القوى النصرانيةُ للوقوف في وجه المسلمين.
واجتمع لهم جيشٌ عظيم أكثر أفراده من الجنود الأجلاف الأقوياء، وعند (بواتييه) التقى الجيشان، ولم تذكر المصادر سوى خبر هزيمة المسلمين وقتل قائدهم وعدد كبير منهم.
ومهما يكن الأمرُ، فقد سطر أولئك المجاهدون أنصعَ الصفحات في الجهاد، ودفعوا أرواحهم ثمنًا له، فرحمهم الله أجمعين.
فتنة الخرمية
إنها طائفة من الباطنية يقال لهم (الخُرْمَدِينية)، أي أنهم يدينون بما يريدون ويشتهون، وقد ظهرت هذه الطائفة في عهد المأمون العباسي، وقادها رجل اسمه بَابَكُ، ونسب لها فعرف بالخرمي، وفي سنة إحدى ومائتين بدأ في العبث والفساد، وأراد أن يقيم ملَّة المجوس، فبدأ المأمون يرسل الجيوش لحربه، وكلما أرسل قائدًا هُزم، أو قُتل، أو أُسر.
ومات المأمون، وفتنة الخرمية في أوج تأجُّجِها، وتولى المعتصم الخلافةَ، وبذل جهده في كسر شوكة بابك، واختار لحربه قائدًا تركيًا هو (خيدر بن كاوس الأشرسني) المعروف بالأفشين.
ووصل جيش الخلافة وعسكر في بَرْزَنْد، وبدأت الحرب بين الجانبين، وبدأ الأفشين يحقق الانتصارات على الخرمية، حتى إذا كان شهرُ رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين، سار الأفشين عازمًا على فتح (البَذِّ) وهو مقر بابك، واستعرت لظى الحرب بين الفريقين، واستبسلا كلاهما، ونصر الله جند الخلافة، واقتحم المسلمون مدينته.
وفرح المسلمون فرحًا عظيمًا بعد أن أخزى الله بابك وهزم أعوانه، وصُلب في عاصمة الخلافة؛ ليراه الناس فيفرحوا بهذا النصر العظيم في شهر رمضان.
فتح عمورية
كان من نتائج فتنة بابك الخُرَمي أن اتصل بإمبراطور الروم يستحثُّه ويطلب منه مهاجمةَ الخلافة الإسلامية، واستجاب ملك الروم (توفيل) لاستغاثة بابك، وجهز جيشًا، وسار به إلى بلاد الإسلام، فهاجم المدن والقرى يقتل ويأسر ويمثِّلُ.
وكان من بين الأسيرات امرأة هاشمية تدعى (شراة العلوية) استغاثت بالمعتصم، فلبى استغاثتها، ووجَّه إلى تلك الديار، فوجد الروم قد انسحبوا، ولم يكن خليفة المسلمين ليسكت على ما حل بالمسلمين، ولذا جمع الأمراء وسألهم: أي بلاد الروم أمنعُ؟ قالوا : (عمورية) لم يتعرض لها أحد منذ كان الإسلام، فقال: هي هدفنا، وبدأ الخليفة يستعد، فاستدعى الجيوش وتجهز جَهازًا لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء.
وسار المعتصم في جحافل أمثال الجبال، وسمع ملكُ الروم بهذا الزحف الإسلامي العظيم، فجهَّز جيشه وسار لملاقاتهم، فتلقاه قائدُ المعتصم (الأفشين) فهزمه شر هزيمة، وفرق جيشه ثلاث فرق اتجهت كلها إلى عمورية فحاصرتها.
وتكاثر المسلمون على المدينة، وبدأوا يرمونها بالمجانيق، وبدأت الأسوار تتهاوي، وهم يكبرون ويهللون، وتفرقت الروم عن أماكنها، فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان. وهكذا فتح المسلمون مدينة عمورية سنة 223هـ، وأخذوا منها أموالًا كثيرة، وأسروا أعدادًا من الروم افتُدي بهم أسرى المسلمين.
فتح حارم
كانت مصر خاضعة للعبيديين، فرأى نور الدين زنكي أن ضمَّها للجبهة الإسلامية أمرٌ حتمي، فأرسل حملةً قادها (أسدُ الدين شيركوه الأيوبي)، ولم يكن الصليبون ليرضوا بضم مصر إلى الشام، فأرسلوا قواتهم لمحاصرة أسد الدين، وتم لهم ذلك، وضيقوا عليه الخناق.
أدرك نور الدين محمود أن مهاجمة الصليبيين في الشام قد تجعلهم ينسحبون من مصر، فأرسل للبلاد الإسلامية يطلب المجاهدين، وسار بهم إلى (قلعة حارم)، وسار الفرنج للقائه في أعداد، والتقى الجمعان في شهر رمضان، ووضع المسلمون الخطط الحربية للقضاء على التفوق العددي للصليبيين، ونجحت تلك الخطط.
وسار نور الدين، ففتح قلعة حارم في الحادي والعشرين من رمضان عام 559هـ، وهكذا نصره الله على عدوه وملَّكه بلاده.
فتح صَفَد وأخذها من الصليبيين
لقد أخرجت لنا هذه الأمة في مرحلة الجهاد ضد الصليبيين قادة أبطالًا؛ من هؤلاء قاهرُ الصليبيين ومحررُ بيت المقدس (صلاح الدين الأيوبي)، الذي أصبح عصرُه بحق عصرَ جهادٍ وعلمٍ، وكان أعظم أيامه يوم حطين حين كسرت الصلبان ونكست.
وهكذا استمر يفتح ويحرر، حتى إذا كان في شهر رمضان عام 584هـ، جاء وقتُ مدينة صَفَد تلك المدينةُ الحصينةُ التي هي أشبه بالقلعة العظيمة التي تحيط بها الأوديةُ من جميع الجوانب فتزيدها حصانة، واستمر القتال على مدينة صفد متواصلًا والمسلمون صائمون، حتى إذا كان الرابعُ من شوال سلَّمت بالأمان، واستعادها المسلمون من الفرنج النصارى.
معركة عين جالوت
تعرَّض العالمُ الإسلامي في النصف الأول من القرن السابع الهجري لهجمة وثنية شرسة، قام بها المغولُ الوثنيون، بتحريض من النصارى الصليبيين؛ فانطلق المغول من الصين شرقًا متجهين نحوَ الممالك الإسلامية غربًا.
بدأت المدنُ الإسلامية تتهاوى في أيديهم؛ الواحدةُ تلو الأخرى، حتى وصلوا لبغداد مركز العاصمة، وكانت المرحلةُ الثانية بلادَ الشام، فسقطت في أيديهم، وجاء وقت مصر والحجاز.
تسلم السلطانُ المظفر قُطُز الحكمَ حينما وصل المغول إلى الشام، وكان في وضع لا يحسد عليه، وعندما جاءته رسلُ المغول، توكل على الله سبحانه، ووقف موقفًا حاسمًا، وأصدر أمرَه بقتل رسل المغول والاستعداد للقتال، وأراد قطز أن يهاجم المغول، فخرج من مصر بجيشه وسار إلى سهلٍ قربَ (عين جالوت).
وفي الساعة المحددة التحم الجيشان، ونفذ المسلمون خطة حربية محكمة، استعملوا فيها الخدعة وأوقعوا بالمغول، وأبلى المماليكُ بلاءً حسنا، وهُزم المغول لأول مرة أمام المسلمين، ووقعوا بين قتيل وأسير، وأُسر قائدهم ثم قُتل، وكان ذلك في شهر رمضان من عام 658هـ.
فتح أنطاكية
في رمضان سنة ست وستين وستمائة كان الموعدُ مع (أنطاكية)؛ وأنطاكية عاصمةُ الإمارة الصليبية التي تحمل اسمَها، وهي واحدة من ثلاث إمارات صليبية ظلت باقيةً في العالم الإسلام إلى ذلك الوقت.
سار السلطان العظيم (بيبرس) بجيشه نحو أنطاكية، وأحاط بها من كل جانب، وأرسل المسلمون للنصارى يطلبون منهم الاستسلام حفظًا لأرواحهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، فزحفت العساكرُ الإسلامية ونزلوا المدينة، فهرب أهلُها إلى القلعة، وتسلم المسلمون المدينة، فقتلوا مَن قاتلهم، وأسروا الباقي.
وأما القلعة فقد اجتمع فيها ثمانيةُ آلاف من المقاتلة، غير أن المسلمين ضيَّقوا عليهم، فطلبوا التسليم، على أن لا يُقتلوا؛ فاستجاب لهم المسلمون، وتسلم (الظاهر بيبرس) القلعة، وعفا عن كل من فيها.
فتح أرمينيا الصغرى
بعد أن أفاقت الأمةُ الإسلامية من هَول الاكتساح المغولي، بدأ حكامُها في العمل على تقويتها، وأدركوا مدى الخطر الذي يمثله نصارى الأرمن على حدود الدولة الشمالية؛ فخططوا لإخضاعهم وكسرِ شوكتِهم، وذلك في عهد السلطان (بيبرس).
كوَّن بيبرس جيشًا عظيمًا هدفه استعادة أملاك المسلمين التي استولى عليها نصارى الأرمن، وسار الجيشُ من مصرَ قاصدًا بلادَ الثغور، وذلك في شهر رمضان من سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وتساقطت مدنُ الثغور الواحدةُ تلو الأخرى في يد المسلمين، ولم يكمُل شهرُ رمضان إلا والجيوشُ الإسلامية قد أتمت استعادةَ بلاد الثغر، واستحق السلطان بيبرس أن يوصف بقاهر الصليبيين والمغول.